دار الشيوخ..اصالة و معاصرة .بقلم : دماني كمال

هنا دواوير بلدتي ، رائحة الخبز تحملها نُسيمات المساء، سرب من الأطفال يركضون خلف شاحنة صغيرة يبحثون عن موطئ قدم ليبلغوا مشتة قصية...
صبية في الرابعة تلوك كِسرة وتلاحق قطيع الخراف، تنادي أباها بلكنة بدوية ولا يجيب، يرفع قشابيته إلى ركبتيه، يدان شديدتان تشدان مقبض الرفش تصرّفان مجرى الساقية...
على مرمى حجر تدور عجوز حول الخمّ تفتش عن بيضتين؛ حفيدها يطارد ديكا أصفرا كي يذبحه.... الأرجح أن ضيفا طرق الباب على غير موعد، صهرها أو حفيد في عمر المراهقة هرب من عقاب أمّه؛ الجدات ملاذ الأشقياء حين يقترفون خطيئة...
جداتنا متواطئات بالفطرة، أحضانهن ملاجئ الصغار.
في الحقل بقرة تناور حبل الرباط كي تبلغ مساحة لم تطلها، في آخر الحقل خيمة منصوبة يحاول فسطاطها مقاومة الزمن الجديد، يدعوه البدوي "قنطاس البيت"، قطعة خشبية مقوسة تعلو عمود الخيمة يدعونها "ركيزة"، على الأطراف حواذق أو إن شئت أوتادا تشد "ستار" الخيمة أن تمزقه الرياح يسميها البدوي "مواثق" ربما لأنها تشد وثاق الخيام، يدور النؤي على الخيمة استدارة السوار على معصم حسناء بدوية تطلّ عيناها من المدخل " الڨبلي"...
البدوية فاتنة بالطبيعة، زينتها إثمد عربي، ترسف قدماها في خلخال من نحاس، البدويات مستودع الأنوثة العذراء، هنّ اللائي يحفظن سرّ الحسن كما كان قبل الغزو وفتات الحضارة!
في الطريق إلى "دار الشيوخ " تقفو أثر الأصالة، تستحم عيناك في جدول التاريخ، تنشق عبق من مرّوا، ترابها  معجون بعرق الرستميين، على جذع دوحة كبرى شممت ريح المجد التليد!
 دار الشيوخ الحضارة تبكي مجدها، جرائر الخائنين حفرت في خدها أخدودا... 
دارالشيوخ  تبكي بؤسنا هذا المساء، أحب المدائن العتيقة دائما، تبدو دموعها لآلئ عقد منفرط... لكن أحبها أكثر حين تبتسم!

تعليقات

المشاركات الشائعة